فأما المقدمات الثلاث الكواذب فهي أن القسم المكي تفرد بالعنف والشدة وأن فيه سبابا وإقذاعا وأنه يمتاز بكل مميزات الأوساط المنحطة
وأما النتيجة أو الهدف الذي يرمي إليه فهو أن القرآن مفكك الأجزاء غير متصل الحلقات وأنه خاضع للظروف متأثر بالبيئة
وغرضهم من هذا معروف طبعا وهو أن القرآن ليس كلام الله وليس معجزا إنما هو كلام محمد الذي تأثر أولا بأهل مكة فكان كلامه خشنا بعيدا عن المعارف العالية التي اكتسبها من أهل الكتاب في المدينة
ذلك كله ما يجب أن نحمل عليه انتقاد أولئك المضللين فإن قرينة عداوتهم للحق وخصومتهم للإسلام ونقدهم للقرآن تبعد كلامهم عن كل تأويل حسن
وتحمله على أسوأ فروضه
ولنأت لك على بنيان هذه الشبهة من القواعد لتعلم إغراقها في البطلان وإغراق ذويها في الكذب والإسفاف
1 - فأما قولهم إن القسم المكي قد تفرد بالعنف والشدة فينقضه أن في القسم المدني شدة وعنفا فدعوى تفرد القسم المكي بذلك باطلة قال تعالى في سورة البقرة وهي مدنية فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا فأتقوا النار التي وقودها الناس والحجارة أعدت للكفرين 2 البقرة 24 وقال فيها أيضا الذين يأكلون الربوا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطن من المس 2 البقرة 275 وقال فيها أيضا يأيها الذين ءامنوا أتقوا الله وذروا ما بقي من الربوا إن كنتم مؤمنين فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله 2 البقرة 278 279
وقال سبحانه في سورة آل عمران وهي مدنية كتلك إن الذين كفروا لن تغني عنهم أمولهم ولا أولدهم من الله شيئا وأولئك هم وقود النار كدأب ءال فرعون والذين من قبلهم كذبوا بأياتنا فأخذهم الله بذنوبهم والله شديد العقاب قل للذين كفروا ستغلبون وتحشرون إلى جهنم وبئس المهاد 3 آل عمران 10 - 12
وإنما اشتمل القرآن الكريم بقسميه المكي والمدني على الشدة والعنف لأن ضرورة التربية الرشيدة في إصلاح الأفراد والشعوب وسياسة الأمم والدول تقضي أن يمزج المصلح في قانون هدايته بين الترغيب والترهيب والوعد والوعيد والشدة واللين