بل الأصل سليم قويم وهو وجود هذه الآيات مكتوبة في الوثائق التي استكتبها الرسول ووجودها محفوظة في صدور أصحابه الذين تلقوها عنه والذين بلغ عددهم مبلغ التواتر وأجمعوا جميعا على صحته
كما عرف ذلك في دستور جمع القرآن
إنما قصارى هذا الخبر أنه يدل على أن قراءة ذلك الرجل ذكرت النبي إياها وكان قد أنسيها أو أسقطها أي نسيانا
وهذا النوع من النسيان لا يزعزع الثقة بالرسول ولا يشكك في دقة جمع القرآن ونسخه فإن الرسول كان قد حفظ هذه الآيات من قبل أن يحفظها ذلك الرجل ثم استكتبها كتاب الوحي وبلغها الناس فحفظوها عنه ومنهم رجل الرواية عباد بن بشار رضي الله عنه على ما روي
وليس في ذلك الخبر الذي ذكروه رائحة أن هذه الآيات لم تكن بالمحفوظات التي كتبها كتاب الوحي وليس فيه ما يدل على أن أصحاب الرسول كانوا قد نسوها جميعا حتى يخاف عليها وعلى أمثالها الضياع ويخشى عليها السقوط عند الجمع واستنساخ المصحف الإمام كما يفتري أولئك الخراصون
بل الرواية نفسها تثبت صراحة أن في الصحابة من كان يقرؤها وسمعها الرسول منه
ثم إن دستور جمع القرآن وقد مر آنفا يؤيد أنهم لم يكتبوا في المصحف إلا ما تظاهر الحفظ والكتابة والإجماع على قرآنيته ومنه هذه الآيات التي يدور عليها الكلام هنا من غير ما شك
ولا يفوتنك في هذا المقام أمران أحدهما أن كلمة أسقطتهن في بعض روايات هذا الحديث معناها أسقطتهن نسيانا كما تدل على ذلك كلمة أنسيتهن في الرواية الأخرى
ومحال أن يراد بها الإسقاط عمدا لأن الرسول لا ينبغي له ولا يعقل منه أن يبدل شيئا في القرآن بزيادة أو نقص من تلقاء نفسه وإلا كان خائنا أعظم الخيانة
والخائن لا يمكن أن يكون رسولا
هذا هو حكم العقل المجرد من الهوى وهو أيضا حكم النقل في كتاب الله إذ يقول سبحانه إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحفظون 15 الحجر 9 وإذ يقول جل ذكره قل ما يكون لي أن أبدله من تلقائ نفسي إن أتبع إلا ما يوحى إلي 10 يونس 15
الأمر الثاني أن روايات هذا الخبر لا تفيد أن هذه الآيات التي سمعها الرسول من