ثالثا أنها ظفرت بإجماع الأمة عليها وتواتر ما فيها
ولا يطعن في ذلك التواتر ما مر عليك من أن آخر سورة براءة لم يوجد إلا عند أبي خزيمة فإن المراد أنه لم يوجد مكتوبا إلا عنده وذلك لا ينافي أنه وجد محفوظا عند كثرة غامرة من الصحابة بلغت حد التواتر وقد قلنا غير مرة إن المعول عليه وقتئذ كان هو الحفظ والاستظهار
وإنما اعتمد على الكتابة كمصدر من المصادر زيادة في الاحتياط ومبالغة في الدقة والحذر
ولا يعزبن عن بالك أن هذا الجمع كان شاملا للأحرف السبعة التي نزل بها القرآن تيسيرا على الأمة الإسلامية كما كانت الأحرف السبعة في الرقاع كذلك
ملاحظة
جمع القرآن في صحف أو مصحف على ذلك النمط الآنف بمزاياه السابقة التي ذكرناها بين يديك لم يعرف لأحد قبل أبي بكر رضي الله عنه
وذلك لا ينافي أن الصحابة كانت لهم صحف أو مصاحف كتبوا فيها القرآن من قبل
لكنها لم تظفر بما ظفرت به الصحف المجموعة على عهد أبي بكر من دقة البحث والتحري ومن الاقتصار على ما لم تنسخ تلاوته ومن بلوغها حد التواتر ومن إجماع الأمة عليها ومن شمولها للأحرف السبعة كما تقدم
وإذن لا يضيرنا في هذا البحث أن يقال إن عليا رضي الله عنه أول من جمع القرآن بعد رسول الله ولا يعكر صفو موضوعنا أن يستدلوا على ذلك بما نقله السيوطي عن ابن الغرس من حديث محمد بن سيرين عن عكرمة قال لما كان بدء خلافة أبي بكر قعد علي بن أبي طالب في بيته فقيل لأبي بكر قد كره بيعتك
فأرسل إليه فقال أكرهت بيعتي فقال رأيت كتاب الله يزاد فيه فحدثت نفسي ألا ألبس ردائي إلا لصلاة حتى أجمعه
قال له أبو بكر فإنك نعم ما رأيت
قال محمد فقلت لعكرمة ألفوه كما أنزل الأول فالأول قال لو اجتمعت الإنس والجن على أن يؤلفوه هذا التأليف ما استطاعوا
ا ه وأخرج ابن أشته من وجه آخر عن ابن سيرين هذا الأثر وفيه أنه كتب في مصحفه الناسخ والمنسوخ وأن ابن سيرين قال فطلبت ذلك الكتاب وكتبت فيه إلى المدينة فلم أقدر عليه
ا ه
نقول إن هذه الرواية وأشباهها لا تغير بحثنا ولا تعكر صفو موضوعنا فقصاراها أنها تثبت أن عليا أو بعض الصحابة كان قد كتب القرآن في مصحف
لكنها لا تعطي هذا المصحف تلك الصفة الإجماعية ولا تخلع عليه تلك المزايا التي للصحف أو المصحف المجموع في عهد أبي بكر
بل هي مصاحف فردية ليست لها تلك الثقة ولا هذه المزايا
وإذا كانت قد سبقت في الوجود وتقدم بها الزمان فإن جمع أبي بكر هو الأول من نوعه