وكانت عناية الرسول بتعليمهم القرآن تفوق كل عناية يقرؤه عليهم ويخطبهم به ويزين إمامته لهم بقراءته في صلاته وفي دروسه وعظاته
وكان فوق ذلك يحب أن يسمعه منهم كما يحب أن يقرأه عليهم
روى البخاري ومسلم أن ابن مسعود قال قال لي رسول الله اقرأ علي القرآن
قلت يا رسول الله
أقرأ عليك وعليك أنزل قال إني أحب أن أسمعه من غيري
فقرأت عليه سورة النساء حتى إذا جئت إلى هذه الآية فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا 4 النساء 41 قال حسبك الآن فالتفت إليه فإذا عيناه تذرفان
وكذلك كان الصحابة همتهم أن يقرؤوا القرآن ويستمعوه
روى الشيخان عن أبي موسى رضي الله عنه قال قال رسول الله إني لأعرف أصوات رفقة الأشعريين بالليل حين يدخلون وأعرف منازلهم من أصواتهم بالقرآن بالليل وإن كنت لم أر منازلهم حين نزلوا بالنهار
وروى الدارمي وغيره بأسانيدهم عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه كان يقول لأبي موسى الأشعري ذكرنا ربنا فيقرأ عنده القرآن
قال النووي وقد مات جماعات من الصالحين بسبب قراءة من سألوه القراءة
وقد سبق في عوامل حفظ الصحابة للسنة مدى عنايتهم بالإقبال عليها والاهتمام بلقاء رسول الله للتعلم منه والأخذ عنه
وروى مكحول عن عبد الرحمن بن غنم أنه قال حدثني عشرة من أصحاب رسول الله قالوا كنا ندرس العلم في مسجد قباء إذ خرج علينا رسول الله فقال تعلموا ما شتئم أن تعلموا فلن يأجركم الله حتى تعملوا
رواه الدارمي موقوما على معاذ بسند صحيح
وكلمة العلم في هذا الحديث شاملة لعلم الكتاب وعلم السنة
أليس هذا الولوع بالكتاب والسنة من دواعي تثبتهم فيهما كما هو من دواعي حفظهم لهما لأن اشتهار الشيء وذيوعه ولين الألسنة به يجعله من الوضوح والظهور بحيث لا يشوبه لبس ولا يخالطه زيف ولا يقبل فيه دخيل
العامل الخامس
يسر الوسائل لدى الصحابة إلى أن يتثبتوا وسهولة الوصول عليهم إلى أن يقفوا على جلية الأمر فيما استغلق عليهم معرفته من الكتاب والسنة
وذلك لمعاصرتهم رسول الله يتصلون به في حياته فيشفي صدورهم من الريبة والشك ويريح قلوبهم بما يشع عليهم من أنوار العلم وحقائق اليقين