أن الإسلام أمرهم بالصدق ونهاهم عن الكذب إطلاقا فقال سبحانه يأيها الذين أمنوا أتقوا الله وكونوا مع الصدقين 9 التوبة 119 وأنت خبير بأن هذا الخطاب بهذه الصيغة في هذا المقام مع تقديم الأمر بالتقوى فيه إشارة إلى أن الصدق المأمور به من مقتضيات الإيمان ومن دعائم التقوى ويفهم من هذا أن من كذب وافترى فسبيله سبيل من كفر وطغى
كما صرح سبحانه بذلك في قوله إنما يفترى الكذب الذين لا يؤمنون بأيت الله وأولئك هم الكذبون 16 النحل 105
ويقول النبي عليكم بالصدق فإنه مع البر وهما في الجنة
وإياكم والكذب فإنه مع الفجور وهما في النار رواه ابن ماجه
وعن صفوان بن سليم رضي الله عنه قال قلنا يا رسول الله أيكون المؤمن جبانا قال نعم
قلنا أفيكون بخيلا قال نعم
قلنا أفيكون كذابا قال لا أخرجه مالك
فانظر إلى الحديث الأول كيف جعل الصدق هاديا إلى البر وإلى الجنة وجعل الكذب هاديا إلى الفجور وإلى النار
ثم انظر إلى الحديث الثاني كيف اعتبر الكذب أفحش من الجبن والبخل وأخرجه في هذه الصورة الشنيعة التي لا تجتمع هي والإيمان في نفس واحدة أبدا
وستقضي العجب حين تعلم أن الرسول بالغ في تقبيح الكذب حتى في توافه الأشياء ومحقرات الأمور استمع إليه وهو ينهى عن الكذب في المزاح بهذه الطريقة الرادعة فيقول ويل للذي يحدث ليضحك منه القوم فيكذب ويل له ويل له رواه أبو داود والترمذي
ثم استمع إليه وهو يتوعد من يكذب في منامه ويقول من كذب في حلم كلف يوم القيامة أن يعقد بين شعيرتين وليس بعاقد بينهما أبدا
قل لي بربك هل تلك الطبقة الأولى الممتازة التي سمعت ذلك وأضعاف ذلك بآذانها من فم رسولها والتي اعتنقت الإيمان بعد البحث والنظر واعتقدته طريقا إلى سعادتها وعزها والتي باعت أنفسها وأموالها لله بأن لها الجنة في نعيمها وخلودها
نقول هل تلك الطبقة الكريمة ترضى بعد ذلك كله أن تركب رأسها وتنكص على أعقابها فتكذب على الله ورسوله أو لا تتحرى الصدق في كتاب الله وسنة رسوله ذلك شطط بعيد لا يجوز إلا على عقول المغفلين
العامل الرابع
أن الصحابة رضوان الله عليهم كانوا مغرمين بالتفقه والتعلم مولعين بالبحث