ولا سبيل إلى استئصال هذه العقيدة وإقامة صرح التوحيد على أنقاضها إلا بلفت عقولهم إلى ما في الكون من شؤون الله وخلق الله وإلا بفتح عيونهم على طائفة كبيرة من نعم الخلق المحيطة بهم ليصلوا من وراء ذلك إلى أن يؤمنوا بالله وحده ما دام هو الخالق وحده لأنه لا يستحق العبادة عقلا إلا من كان له أثر الخلق في العالم فعلا أفمن يخلق كمن لا يخلق أفلا تذكرون 16 النحل 17
فعرض بعض المخلوقات على أنظار الجاحدين بالتوحيد بعد إقرارهم أن ليس لها خالق إلا الله إلزام لهم بطرح الشرك وتوحيد الخالق
وهذا مطمح نبيل أجاد القرآن في أساليب عرض نعم الله عليهم من أجله وكان في إجادته هذه موفيا على الغاية وأصلا إلى قمة الإعجاب كعادته متفننا في ذكر النعم منوعا في سردها وبيانها
فمرة يحدث عن خلق السماء ومرة عن خلق الأرض وثالثة عن أنفسهم ورابعة عن أنواع الحيوان والنبات والجماد وهلم جرا
وتارة يختار القرآن في عرضه طريقة السرد والشرح وتارة يختار طريقة الحلف والقسم لأن في الحلف والقسم معنى العظمة التي أودعها الله في هذه النعم دالة على توحيده وعظمته حتى صح أن يدور القسم عليها وأن يجيء الحلف بها
ومن هنا أقسم الله بما أقسم من الأمور الحسية والمعنوية فالأمور الحسية كما ذكرنا والمعنوية مثل القرآن الكريم في قوله سبحانه والقرءان الحكيم إنك لمن المرسلين على صراط مستقيم 36 يس 2 - 4 لينبههم إلى مدى إنعامه عليهم بتلك الأقسام كلها حسيها ومعنويها فيرعووا عن شركهم بتلك الآلهة المزيفة التي لا تملك ضرا ولا نفعا وليس لها أي شأن في هذا الخلق
على حد قوله سبحانه في سورة الأحقاف قل أرءيتم ما تدعون من دون الله أروني ماذا خلقوا من الأرض أم لهم شرك في السموات ائتوني بكتب من قبل هذا أو أثرة من علم إن كنتم صدقين ومن أضل ممن يدعوا من دون الله من لا يستجيب له إلى يوم القيمة وهم عن دعائهم غفلون وإذا حشر الناس كانوا لهم أعداء وكانوا بعبادتهم كفرين 46 الأحقاف 4 - 6
وأنت خبير بأن المصاب بداء الشرك لا سبيل إلى إنقاذه منه إلا بمثل هذه الطريقة المثلى التي سلكها القرآن بعرض دلائل التوحيد من آيات الله في الآفاق على أنظار المشركين وهذا سبيل متعين في خطاب كل مشرك ولو كان واحد الفلاسفة ووحيد العباقرة وأستاذ المثقفين والمستنيرين
فحلف القرآن بأمثال هاتيك المخلوقات