وأما السبب الثاني فهو استثقال الفكر في تمييز ما اشتبه وطلب الراحة في اتباع ما يسهل حتى يظن أن ذلك أوفق أمريه وأحمد حاليه اغترارا بأن الأسهل محمود والأعسر مذموم فلن يعدم أن يتورط بخدع الهوى وزينة المكر في كل مخوف حذر ومكروه عسر ولذلك قال عامر بن الظرب: الهوى يقظان والعقل راقد فمن ثم غلب. وقال سليمان بن وهب: الهوى أمنع والرأي أنفع وقيل في المثل؛ العقل وزير ناصح والهوى وكيل فاضح. وقال الشاعر:
إذا المرء أعطى نفسه كل ما اشتهت ... ولم ينهها تاقت إلى كل باطل
وساقت إليه الاثم والعار بالذي ... دعته إليه من حلاوة عاجل
وحسم السبب الأول أن يجعل فكر قلبه حكما على نظر عينه فإن العين رائد الشهوة والشهوة من دواعي الهوى والقلب رائد الحق والحق من دواعي العقل. وقال بعض الحكماء: نظر الجاهل بعينه وناظره ونظر العاقل بقلبه وخاطره ثم يتهم نفسه في صواب ما أحبت وتحسين ما اشتهت ليصح له الصواب ويتبين له الحق فإن الحق أثقل محملا وأصعب مركبا فإن أشكل عليه أمر أن اجتنب أحبهما إليه وترك أسهلهما عليه فإن النفس عن الحق أنفر وللهو