وان كانت زيادة اللفظ على المعنى لسوء ظن المتكلم بفهم السامع كان استخراجه أسهل. وان كان تقصير اللفظ عن المعنى لسوء فهم المتكلم فهو أصعب الأمور حالا وأبعدها استخراجا لأن ما لم يفهمه مكلمك فأنت من فهمه أبعد إلا أن تكون بفرط ذكائك وجودة خاطرك تنبيه باشارته على استنباط ما عجز عنه واستخراج ما قصر فيه فتكون فضيلة الاستيقاء لك وحق التقدم له.
وأما المواضعة فضربان عامة وخاصة. فأما العامة فهي مواضعة العلماء فيما جعلوه ألقابا لمعان لا يستغني المتعلم عنها ولا يقف على معنى كلامهم إلا بها كما جعل المتكلمون الجواهر والأعراض والأجسام ألقابا وضعوها لمعان اتفقوا عليها ولست تجد من العلوم علما يخلو من هذا وهذه المواضعة العامة تسمى عرفا.
وأما الخاصة فمواضعة الواحد يقصد بباطن كلامه غير ظاهره فإذا كانت في الكلام كانت رمزا وإن كانت في الشعر كانت لغزا. فأما الرمز فلست تجده في علم معنوي ولا كلام لغوي وإنما يختص غالبا بأحد شيئين إما بمذهب شنيع يخفيه معتقده ويجعل الرمز سببا لتطلع النفوس إليه واحتمال التأويل فيه سببا لدفع التهمة عنه وإما لما يدعي أربابه أنه علم معوز وأن إدراكه بديع