وقال رجل لأبي هريرة رضي اللّه عنه: أريد أن أتعلم العلم وأخاف أن أضيعه فقال: كفى بترك العلم إضاعة. وليس وإن تفاضلت الأذهان وتفاوتت الفطن ينبغي لمن قل منها حظه أن ييأس من نيل القيل وإدراك اليسير الذي يخرج به من حد الجهالة إلى أدنى مراتب التخصيص فإن الماء مع لينه يؤثر في صم الصخور فكيف لا يؤثر العلم الزكي في نفس راغب شهي وطالب خلي لا سيما وطالب العلم معان. قال النبي صلّى اللّه عليه وسلم: «إن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضا بما يطلب» وربما منع ذا السفاهة من طلب العلم أن يصور في نفسه حرفة أهله وتضايق الأمور مع الاشتغال به حتى يسمهم بالأدبار ويتوسمهم بالحرمان فإن رأى محبرة تطير منها وإن وجد كتابا أعرض عنه وإن رأى متحليا بالعلم هرب منه كأنه لم ير عالما مقبلا وجاهلا مدبرا ولقد رأيت من هذه الطبقة جماعة ذوي منازل وأحوال كنت أخفى عنهم ما يصحبني من محبرة وكتاب لئلا أكون عندهم مستثقلا وإن كان العبد عنهم مؤنسا ومصلحا والقرب منهم موحشا ومفسدا. فقد قال بزرجمهر الجهل في القلب كالنز في الأرض يفسد ما حوله لكن اتبعت فيهم الحديث المروى عن أبي الأشعث عن أبي عثمان عن ثوبان عن النبي صلّى اللّه عليه وسلم انه قال: «خالطوا الناس بأخلاقهم وخالقوهم في أعمالهم». ولذلك قال بعض البلغاء: رب جهل وقيت به علما وسفه حميت به حلما. وهذه الطبقة ممن لا يرجى لها صلاح ولا يؤمل لها فلاح لأن من اعتقد أن العلم شين وان تركه زين وأن للجهل إقبالا مجديا وللعلم أدبارا مكديا كان ضلاله مستحكما ورشاده "