وموالاته تضر ومقاربته عمى ومقارنته شقا. وكانت ملوك الفرس إذا غضبت على عاقل حبسته مع جاهل والأحمق يسيء إلى غيره ويظن أنه قد أحسن إليه فيطالبه بالشكر ويحسن إليه فيظن أنه قد أساء إليه فيطالبه بالوتر فمساوىء الأحمق لا تنقضي وعيوبه لا تتناهى ولا يقف النظر منها إلى غاية إلا لوحت ما وراءها بما هو أدنى منها وأردى وأمر وأدهى فما أكثر العبر لمن نظر وأنفعها لمن اعتبر. وقال الأحنف بن قيس: من كل شيء يحفظ الأحمق إلا من نفسه وقال بعض البغاء: إن الدنيا ربما أقبلت على الجاهل بالاتفاق وأدبرت عن العاقل بالاستحقاق فإن أتتك منها سهمة مع جهل أو فاتتك منها بغية مع عقل فلا يحملنك ذلك على الرغبة في الجهل والزهد في العقل فدولة الجاهل من الممكنات ودولة العاقل من الواجبات وليس من أمكنه شيء من ذاته كمن استوجبه بآلته وأدواته وبعد فدولة الجاهل كالغريب الذي يحنّ إلى النقلة ودولة العاقل كالنسيب الذي يحنّ إلى الوصلة فلا يفرح المرء بحالة جليلة نالها بغير عقل أو منزلة رفيعة حلها بغير فضل فإن الجهل ينزله منها ويزيله عنها ويحطه إلى رتبته ويردّه إلى قيمته بعد أن تظهر عيوبه وتكثر ذنوبه ويصير مادحه هاجيا ووليه معاديا. واعلم أنه بحسب ما ينتشر من فضائل العاقل كذلك يظهر من رذائل الجاهل حتى يصير مثلا في الغابرين وحديثا في الآخرين مع هتكه في عصره وقبح في دهره كالذي رواه عطاء عن جابر قال: كان في بني إسرائيل رجل له حمار فقال يا رب: لو كان لك حمار لعلفته مع