فقال: الجواب عن هذا أيما أفضل المال أم العقل. وقال صالح بن عبد القدوس:
لا خير فيمن كان خير ثنائه ... في الناس قولهم غني واجد
وبما امتنع الانسان من طلب العلم لكبر سنه واستحيائه من تقصيره في صغره أن يتعلم في كبره فرضي بالجهل أن يكون موسوما به وآثره على العلم أن يصير مبتدئا به وهذا من خدع الجهل وغرور الكسل لأن العلم إذا كان فضيلة فرغبة ذوي الأسنان فيه أولى والابتداء بالفضيلة فضيلة ولأن يكون شيخا متعلما أولى من أن يكون شيخا جاهلا. حكي أن بعض الحكماء رأى شيخا كبيرا يحب النظر في العلم ويستحي فقال له يا هذا: أتستحي أن تكون في آخر عمرك أفضل مما كنت في أوله. وذكر أن إبراهيم بن المهدي دخل على المأمون وعنده جماعة يتكلمون في الفقه فقال: يا عم ما عندك ما يقول هؤلاء فقال يا أمير المؤمنين: شغلونا في الصغر واشتغلنا في الكبر فقال:
لم لا تتعلمه اليوم قال: أو يحسن بمثلي طلب العلم قال نعم واللّه لأن تموت طالبا للعلم خير من أن تعيش قانعا بالجهل قال: وإلى متى يحسن بي طلب العلم؟ قال: ما حسنت بك الحياة لأن الصغير أعذر وإن لم يكن في الجهل عذر لأنه لم تطل به مدة التفريط ولا استمرت عليه أيام الاهمال. وقد قيل في منثور الحكم: جهل الصغير معذور وعلمه محقور فأما الكبير فالجهل به أقبح ونقصه عليه أفضح لأن علو السن إذا لم يكسبه فضلا ولم يفده علما وكانت أيامه في الجهل ماضية ومن الفضل خالية كان الصغير أفضل منه لأن الرجاء له أكثر والأمل فيه أظهر وحسبك نقصا في رجل يكون الصغير المساوي له في الجهل أفضل منه. وأنشدت لبعض أهل الأدب: