إن ردة الفعل هذه سببها أن بعض المناهج التربوية تقتصر على الركن الأول من أركان الحفظ التربوي وتهمل الركنين الآخرين فتنتج بهذا المنهج نماذج غير مؤهلة تربويا فظن أولئك أن العيب في الحفظ ولم ينتبهوا إلى مكمن الخلل ومكان النقص فيقوموا بإصلاحه بدل أن يمارسوا إفسادا آخر إلا أن يكون هذا هو هدفهم .
إن إهمال هذا المبدأ الكبير من مبادئ التربية يؤدي إلى أن يتخرج أفراد المجتمع ضعافا لا يصلحون لشيء وإلا فلا علم بلا حفظ حتى في العلوم الدنيوية من طب وهندسة وحاسب ولغات وصناعة وزراعة وتجارة وغيرها، وما البطالة التي بدأت تتفشى في صفوف الشباب إلا أحد الشواهد على ما ذكر، فقد عجزوا عن المنافسة في ميدان العمل وذلك بسبب ضعف التربية والتعليم التي أهمل بناؤها منذ الصغر، فقل لمن يحاول علاج البطالة في المجتمع بعد حصولها أن يعالجها من أصولها وهذا يكون في إعادة النظر في مناهج التربية والتعليم الموجهة لصناعة الإنسان وبنائه.
إن مسألة حفظ الأصول وتمثلها المتون ، وفهم وفقه هذه الأصول ويمثله شروح تلك المتون وما يستجد عليها من تطبيقات في الحياة هي المنهجية في صناعة الإنسان وهو فيما أحسب أمر محسوم عند من وجه إليه هذا الكتاب وإن كان غير مسلم عند بعض التربويين المعاصرين ممن تتلمذوا على الغرب وتأثروا بمناهجهم وفي الوقت نفسه لم تتح لهم الفرصة للتعمق والتأمل في منهج السلف في التربية والتعليم بسبب انشغالهم بدراسة تخصصهم فهؤلاء تنقصهم الخبرة في هذا المجال.