-[157]-
قَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَنِ الْخُلَفَاءِ وَالصَّحَابَةِ بَعْدَهُ فِي ثَبَوتِ خِلَافَةِ الصِّدِّيقِ مَعَ إِجْمَاعِ النَّاسِ عَلَيْهِ وَتَسْلِيمِهِمْ لَهُ مَا يُسْتَغْنَى بِهِ عَنْ إِيرَادِ الْأَحَادِيثِ الْمَرْوِيَّةِ فِي ذَلِكَ وَكَفَاهُ مِنَ الدَّلَالَةِ الَّتِي لَا مَدْفَعَ لَهَا تَقْدِمَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُ بِالصَّلَاةِ فِي حَيَاتِهِ مَعَ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِقُرَيْشٍ: «يَكُونُ بَعْدِي اثْنَا عَشَرَ خَلِيفَةً أَبُو بَكْرٍ لَا يَلْبَثُ بَعْدِي إِلَّا قَلِيلًا». وَكَانَتْ خِلَافَةُ النُّبُوَّةِ ثَلَاثِينَ سَنَةً لِأَبِي بَكْرِ، وَعُمَرَ، وَعُثْمَانَ، وَعَلِيٍّ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَقَدْ عَلِمَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ آجَالَهُمْ وَمُدَّةَ أَعْمَارِهِمْ وَكَانَ أَطْوَلُهُمْ عَمْرًا بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ فَلَوْ وَلِيَ الْخِلَافَةَ لَمْ تَخْرُجِ الْخِلَافَةُ عَنْهُ إِلَى انْقِضَاءِ عُمُرِهِ وَكَانَتِ الْخِلَافَةُ تَعَدَّتْ أَبَا بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَعُثْمَانَ لأنَّ أَبَا بَكْرٍ عَاشَ فِي الْخِلَافَةِ سَنَتَيْنِ وَتُوُفِّيَ، وَوَلِيَ عُمَرُ عَشَرَ سِنِينَ وَطُعِنَ وَوَلَّى عُثْمَانُ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً وَقُتِلَ وَوَلِيَ عَلِيُّ سِتَّ سِنِينَ وَقُتِلَ وَلَيْسَ فِي تَأْخِيرِِ علي نَقْصٌ وَلَا ازْدِرَاءٌ بَلْ هُوَ السَّيِّدُ الْمُقَدَّمُ عِنْدَ الصَّحَابَةِ وَلَوْ كَانَ فِي تَأْخِيرهِ نَقْصٌ لَمْ يُؤَخِّرْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آخِرَ الْأَنْبِيَاءِ وَخَتَمَ اللَّهُ بِهِ النُّبُوَّةَ وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ نَقْصًا، كَذَلِكَ خِلَافَةُ عَلِيٍّ لَمَّا تَأَخَّرَتْ لَمْ تَكُنْ نَقْصًا مَعَ أَنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلِيًّا كَانَ أَعْلَمَ وَأَورعَ وَأَزْهَدَ مِنْ أَنْ يَدْخُلَ فِي أَمْرٍ يَعْلَمُ أَنَّهُ مَعْصِيَةٌ إِذِ الْخِلَافَةُ لِمَنْ تُقَرِّبُهُ لَا تَخْلُوَ مِنْ أَنْ تَكُونَ طَاعَةً أَوْ مَعْصِيَةً فَإِنْ كَانَتْ طَاعَةً فَأَوْلَى النَّاسِ بِالْمُسَابَقَةِ إِلَيْهَا وَالدُّخُولِ فِيهَا عَلِيٌّ، وَإِنْ كَانَتْ مَعْصِيَةً فَقَدْ صَانَ اللَّهُ عَلِيًّا وَحَاشَاهُ وَالْمُسْلِمِينَ دُخُولَهُمْ فِي مَعْصِيَةٍ -[158]- فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ لَمْ يُبَايِعْ لأبي بَكْرٍ، قِيلَ لَهُ: هَلْ بَايَعَ لِعُمَرَ، وَعُثْمَانَ؟ فَإِنْ قَالَ: نَعَمْ قِيلَ: هَذَا لَا يَكُونُ لِأَنَّهُ أَعْلَمُ النَّاسِ يَتْرَكُ الْفَاضِلَ وَيَسْتَنُّ بِمَنْ بَعْدَهُ مَعَ أَنَّ عُثْمَانَ، وَعَلِيًّا فِي خِلَافَتِهِمَا عَلَى سُنَنِ أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ وَإِنْ قَالَ: لَمْ يُبَايعْ وَاحِدًا مِنْهُمَا فَقَدِ افْتَرَى وَخَرَقَ الْإِجْمَاعَ الَّذِي اجْتَمَعَ عَلَيْهِ أَهْلُ الْعِلْمِ مَعَ أَنَّ عَلِيًّا فِي خِلَافَتِهِ لَمْ يُغَيِّرْ شَيْئًا مِنْ سُنَنِ الْخُلَفَاءِ قَبْلَهُ وَلَمْ يُخَالِفْهُمْ فِي شَيْءٍ وَكَانَ أَخَذَ النَّاسَ بِسُنَّةِ أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ يَغْزُو فِي خِلَافَتِهِمَا وَيُصَلِّي خَلْفَهُمَا وَيَأْخُذُ الْعَطَاءَ وَلَمْ يَكُنْ فِيهِ عَجْزٌ وَلَا ضَعْفٌ عَنْ أَخْذِ الْخِلَافَةِ بَعْدَ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَأْخُذْهَا أَبُو بَكْرٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنْ قُوَّةٍ وَمَنَعَةٍ مَعَ طَلَبِهِ الْإِقَالَةَ وَيَسْتَقِيلُ النَّاسَ وَأَوَّلُ مَنْ أَلْزَمَهُ الْخِلَافَةَ وَثَبَّتَهَا لَهُ لَمَّا اسْتَقَالَ عَلِيٌّ (، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ) مَعَ أَنَّهُ فِي خِلَافَتِهِ لَمْ يُرِدْ بِهَا عُلُوٍّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَلَا تَكثراً وَافْتِخَارًا وَلَا تَطَاوُلًا عَلَى أَحَدٍ وَلَمْ يَجْمَعْ دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا وَلَا بَنَى دَارًا وَلَا اشْتَرَى وَصِيفَةً وَرَقِيقًا انْقَرَضَتْ أَيَّامُهُ وَمُدَّةُ خِلَافَتِهِ مُتَجَوِّزًا بِمَا اسْتَطَابَ بِهِ نُفُوسَ الْمُسْلِمِينَ وَرَزَقُوهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ